تجريم "الإثراء غير المشروع".. مادة تكاد "تعدم" القانون الجنائي الجديد

 تجريم "الإثراء غير المشروع".. مادة تكاد "تعدم" القانون الجنائي الجديد
الصحيفة - حمزة المتيوي
السبت 15 فبراير 2020 - 12:00

دخل مشروع تعديل القانون الجنائي المغربي مرحلة "بلوكاج" طويل تهدد بسحب المشروع بكامله بعدما انتقلت عدوى الجدل حول مواده إلى مكونات الأغلبية البرلمانية نفسها، بل إلى أعضاء الحكومة وخاصة وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد، الذي خُطت صيغة المشروع في عهده، وبين وزير العدل الحالي محمد بن عبد القادر الذي قال للبرلمانيين إنه "لا يعرف محتويات المشروع".

ولكن المعلوم عند البرلمانيين أن الصراع حول المشروع، الذي ولج مجلس النواب لأول مرة في 24 يونيو 2016، هو أن الجدل حاليا يدور حول مادة تتعلق بـ"الإثراء غير المشروع"، التي أتت لملاءمة القانون الجنائي المغربي مع المواثيق الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد، لكن صيغتها جعلت الكثير من المسؤولين العموميين يتحسسون رؤوسهم لأن سؤال "من أين لك هذا؟" صار يمكن أن يلاحقهم في أي وقت.

من أين لك هذا؟

وينص الفصل 8 - 256 من مشروع القانون الجنائي على أنه "يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100000 إلى 1000000 درهم، كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح، عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة".

وكان هذا النص واحدا من بين 4 مواد ضمها مشروع تعديل القانون الجنائي المغربي الذي يعد أحد نتائج الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في عهد وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، وهي تعديلات ذات طابع استعجالي أتت لضمان مواءمة القانون الجنائي مع الدستور والاتفاقيات الدولية وبعض القضايا المستجدة التي لم يتوقعها المشرع سابقا بالإضافة إلى قضية الإجهاض.

لكن هذه المادة تحولت إلى أكبر حجرة عثرة أمام المشروع، حتى أن الرميد الذي يشغل حاليا منصب وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، اعترف شهر دجنبر الماضي بأنه "أخذ مكانه بين الرفوف بسبب المصاعب الكبيرة التي تواجه خروجه"، لكنه ألقى باللائمة في ذلك بشكل ضمني على حزب الأصالة والمعاصرة، حين أوضح خلال مشاركته في أشغال "الجامعة الشعبية" المنظمة من طرف حليفه الحكومي حزب الحركة الشعبية، أن "حزبا قويا في المعارضة يضغط على بعض مكونات الأغلبية لعرقلة خروج القانون الجنائي الجديد".

زمن تشريعي مُهدر

لكن عدة برلمانيين يرون أن تصريحات الرميد بعيدة عن الواقع، ومن بينهم برلمانيو حزب الأصالة والمعاصرة الذي يتزعم المعارضة، إذ أرودت ابتسام العزاوي النائبة عن الحزب، أن تصريحات الرميد "مؤسفة، ولا تعدو كونها محاولة لتبرير تأخر إخراج هذا القانون"، موضحة أن "المسطرة التشريعية تعرف تباطؤا فيما يتعلق بتنزيل النسخة الجديدة من القانون الجنائي، وفي هذا هدر للزمن التشريعي الثمين". 

وذكرت العزاوي في حديثها لموقع "الصحيفة" أن الرميد "سبق أن برر التأخير بكون الحكومة الحالية ليست هي التي أحالت مشروع القانون الجنائي على مجلس النواب، وإنما قامت بذلك الحكومة السابقة التي ترأسها عبد الإله بنكيران"، معتبرة أن هذا الأمر "لا يستقيم، فالمفروض أن يكون هنالك تراكم واستمرارية، والأكثر من هذا أن الحكومة الحالية ما هي إلا امتداد لسابقتها".

وعلاقة بالمادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، أوردت البرلمانية عن "البام" أنها إحدى المواد التي تعرف "نقاشا وجدلا كبيرين وتقاطبا حادا بين مكونات المجلس، والتي من المفروض أن تكون صيغتها النهائية محل إجماع يتدارك الصيغة المحتشمة الواردة في النسخة التي قدمتها الحكومة"، موردة أنه "يجب إحداث القطائع اللازمة مع الفساد والإثراء غير المشروع إحدى تجلياته".

ووفق العزاوي فإن الفساد يكلف خزينة الدولة ما يعادل 50 مليار درهم سنويا، أي ما يقارب 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، منها 27 مليار درهم بسبب الرشوة والاختلالات في الصفقات العمومية، مضيفة أن الاتجاه العام للنقاش في صفوف الأغلبية في هذا الإطار "ينحو نحو معاقبة الزيادة غير المبررة المصرح بها في إطار الإقرار بالذمة المالية وليس الاثراء غير المشروع في شموليته، وهذا لا يستقيم وطموحات المغاربة في التأسيس لمرحلة جديدة عنوانها الأبرز تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة".

وزير العدل.. "مافراسوش"!

لكن، وعكس تصريحات الرميد، صار من الواضح أن المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع أحدثت شرخا في مكونات الأغلبية نفسها، فيوم الثلاثاء الماضي حضر وزير العدل محمد بن عبد القادر إلى مجلس المستشارين ليجيب على سؤال تقدم به الفريق الاشتراكي، موردا أن المشروع أعدته الحكومة السابقة عندما كان الرميد وزيرا للعدل، أما الحكومة الحالية فلم تناقش المشروع نهائيا منذ تأسيسها".

وحسب بنعبد القادر، فإن المسطرة التشريعية تنص على أن يتم استدعاء الوزير الوصي لحضور اجتماع لجنة العدل والتشريع ليقرر في نصوص المشروع، ثم يكون قراره ملزما للحكومة، لكنه في هذه الحالة "لم تطلع الحكومة الحالية بعد على محتويات المشروع لاتخاذ قرار بشأنه"، وفق وزير العدل الذي قال إنه لا يستطيع، بناء على ذلك "قبول التعديلات أو رفضها".

لكن المفاجأة في تصريحات بنعبد القادر لم تتوقف عند هذا الحد، فالوزير الاتحادي الوحيد في الحكومة الحالية مهد لإطالة أمد النقاش حول مشروع القانون الجنائي لسنوات أخرى، حين قال "هناك مشاريع قوانين جنائية ظلت تُناقش طيلة 30 عاما"، معتبرا أن هذا الأمر طبيعي بالنظر للصبغة الخاصة لهذا القانون المتعلق بمواجهة الجريمة وحماية النظام العام وكذا الحقوق والحريات.

تجاذب داخل الأغلبية

ولا يخفي برلمانيون عن حزب "العدالة والتنمية" أن المُعرقل الرئيس لهذا المشروع هي مكونات الأغلبية التي يقودها حزبهم، وهو ما يؤكده النائب محمد خيي الذي قال إن المناقشات حوله "استمرت أكثر مما ينبغي، وإنه حاليا دخل دوامة التأجيل"، موردا أن تعامل وزير العدل الحالي محمد بنعبد القادر وسلفه محمد أوجار مع المتعديلات اتسم بـ"التردد، حتى إننا أحيانا نسمع أن المشروع أعدته الحكومة السابقة وبالتالي يجب أن يُسحب".

وحسب خيي فإن "المسطرة التشريعية تنص على أنه بعد الانتهاء من المناقشة التفصيلية تُفتح فترة لوضع التعديلات ثم يُحال المشروع على التصويت في اللجنة، لكن هذا الأمر لم يتم"، وأضاف "منذ يوليوز 2019 دخل في بلوكاج، إذ كل شهر يأتي فريق من داخل الأغلبية يطلب التأجيل رغم أن المفروض في هذه الأخيرة تضع تعديلاتها بشكل مشترك"، معتبرا أن مسلسل التأجيل الطويل هذا "غير مبرر".

ويؤكد البرلماني عن "البيجيدي" في تصريحاته لموقع "الصحيفة" وجود "خلاف جوهري" حول المادة المجرِّمة للإثراء غير المشروع، والتي تسمح للنيابة العامة بتحريك مسطرة المتابعة، موردا أن أحزابا من المعارضة وأخرى من الأغلبية تحفظت على عليها تحت ذريعة "إمكانية استغلالها سياسيا ضد بعض الأشخاص، رغم أنها لا تنص على العقوبة السجنية ومحاطة بعدة ضمانات" وفق خيي.

وقال المتحدث نفسه إن حزبه "فوجئ بتعديلات تفرغ هذه المادة من مضمونها"، مضيفا "نحن أمام عرقلة سياسية واضحة وأمام اتفاق على عدم تمرير هذه المادة، بل ما يلوح في الأفق هم عدم المصادقة على مشروع القانون الجنائي برمته، ف حتى بعض الفاعلين الذين ظلوا يدعون لملاءمة التشريع المغربي مع الاتفاقيات الدولية، صاروا الآن يمارسون العرقلة".

مادة "بلا روح"

ووفق مصادر برلمانية، فإن أهم التعليلات التي تريد بعض الفرق إدخالها على المادة تتمثل في الاقتصار على المجلس الأعلى للحسابات بوصفه الجهة الوحيدة التي من حقها القيام بعملية الافتحاص والمساءلة عوض النيابة العامة، بالإضافة إلى التنصيص على أن مساءلة المسؤولين العموميين لا تتم إلا بعد انتهائهم تماما من مهامهم، وهو الأمر الذي قد يمتد لعقود.

ورغم أن الأغلبية البرلمانية لم تتفق إلى حدود اليوم على صيغة التعديلات، إلا أن خيي يرى أن على حزبه سحب اسمه منها كونها تفرغ المادة من روحها، جازما بوجود "رغبة سياسية "لإقبار هذا المشروع، والتماطل الظاهر حاليا ليس سوى محاولات لربح الوقت للوصول إلى هذا الهدف"، قبل أن يضيف أن "العرقلة اليوم لا تأتي من المعارضة فقط بل أيضا من مكونات الأغلبية".

ويخلص البرلماني عن حزب العدالة والتنمية إلى أن هذا الواقع يمثل "حالة البؤس الكبيرة التي نعيشها، فمرة أخرى، في القضايا التي تحتاج لنفس سياسي وأغلبية واضحة ذات مشروع، نجد أنفسنا أمام اصفاف آخر بعيد عن الاصطفاف الطبيعي للأغلبية والمعارضة، اصطفافٌ له مصالح أخرى وأجندات أخرى غير أجندة الإصلاح التي من المفروض أن تشتغل عليها أغلبية متضامنة تعمل وفق رؤيا واضحة المعالم".

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...